إلى كل باحث جاد في السيرة النبوية:
أقدم هذه الدراسة المختصرة على حلقتين من مؤلف قيم للدكتور محمد بن صامل السلمي بعنوان ( منهج كتابة التاريخ الإسلامي - الطبعة الثانية ، 1418ـ1998م، دار الرسالة العلمية )
كان أقدم أنواع التأليف التاريخي ظهوراً هو الاهتمام بسيرة المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجمع أخبارها والتأليف فيها ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو المعلم لهذه الأمة ، فقد أخرجهم من الظلمات إلى النور، فصاروا به أمة بعد أن كانوا شيعاً وأحزاباً ، بل صاروا خير أمة أخرجت للناس. والاهتمام بسيرته صلى الله عليه وآله وسلم نشأ مقروناً بالاهتمام بسنته ؛ لأن سيرته جزء من السنة، وفيها أحكام وتشريعات، والأسوة بها مطلوبة بنص القرآن ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر ) "الأحزاب/21" وقد اهتم المسلمون على مختلف مستوياتهم بالسيرة النبوية المطهرة وعلموها أبناءهم كما يعلمون السورة من القرآن . ولذلك كانت روايتها وتدوينها والتأليف فيها ممتزجاً مع تدوين السنة النبوية أحياناً ، ومفرداً عنها أحياناً أخرى . لكنه مر في نفس مراحل تدوين السنة .
وتدل الأخبار أن كثيراً من الصحابة قد دونوا أخبار سيرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومغازيه ، وأولوها عناية خاصة ، وكانوا يملونها على تلاميذهم . ثم بعد جيل الصحابة رضي الله عنهم قام التابعون على تدوين السيرة وجمع أخبارها ومدرستها وكان أشهر القائمين بذلك أبان بن عثمان (ت105هـ) ، ومن المهتمين بجمع أخبار السيرة عامر بن شراحيل الشعبي (ت103) فقد كان يجلس للناس يحدثهم بالمغازي. ، ومقسم بن بجرة ويقال ابن نجدة مولى ابن عباس سمي بذلك للزومه له.
وعروة بن الزبير (22_93هـ)وهو أحد الفقهاء السبعة في المدينة ، وقد قام بدور متميز في إرساء قواعد الكتابة في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان الخلفاء والأمراء والعلماء يكتبون إليه ويسألونه. ومن هذه الطبقة شرحبيل بن سعد الخطمي المدني مولى الأنصار المتوفى سنة123هـ عن أكثر من مائة سنة. ومنهم أيضاً وهب بن منبه اليماني (ت114هـ). إلا أن هذه الطبقة لم يصل منها كتب تامة وإنما روايات هنا وهناك.
وقد جاء بعد هؤلاء طبقة أخرى فيها بعض لأسماء تتمتع بشهرة واسعة في السيرة وهم : عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة ن ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، وأبو الأسود محمد بن عبد الرحمن بن نوفل المعروف بيتيم عروة بن الزبير.
بعد الإمام الزهري وطبقته ، قام بعبء التأليف ثلاثة من أشهر المؤلفين في السيرة وهم: موسى بن عقبة (ت141هـ) ، ومعمر بن راشد (ت154هـ)، ومحمد بن إسحاق المطلبي (ت151هـ)، وقد كان لهؤلاء الثلاثة أثر بارز في التأليف في السيرة ودفعوا بها خطوات إلى الأمام .
في الحلقة القادمة ( الحديث عن دور مدرسة الحدث الهام والمتميز ).
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
__________________
قال الله تعالى : (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم...) الفتح 29